الجمعة، 24 ديسمبر 2010
رسول العدم إميل سيوران
أندريه بريتون منظر السريالية الأول وكاتب بيانها الشهير هل هو ناقد أدبى ومفكر أم شاعر سريالى ؟ كذلك ت.س.إليوت وإزرا باوند ، كذلك شاعرنا المتفلسف وفيلسوفنا الشاعر سيوران .
ولد إيميل سيوران عام 1911 بإحدى قرى ترانسلفانيا الرومانية لأب راعى كنيسة وأم متشككة فى الدين !مما سيجعل الصبى يعيش توتر دائم ونزاعات متكررة بين هذين المختلفين حد التناقض .
سيهتم بدراسة الفلسفة فى بداية حياته ، ولكنه فى سنوات النضوج سيكتب " أفول الأفكار " على غرار " أفول الأصنام " لنيتشه متخليا حتى عن الفكر الذى جعله يرتفع فوق العامة ويزدريهم فكتاباته اللاحقة تصل لمنطقة تلتف فيها الكتابة على نفسها مثل أفعى هايدغر الشهيرة التى تعض على ذيلها قافلة الحلقة مثل أى فكرة أصيلة تهاجم نفسها بنفسها مغلقة الدائرة أمام الأفكار المضادة( كل شئ باطل عدا الأفكار عن الباطل) .
فى الثانية والعشرين سينشر سيوران كتابه الأول " على قمم اليأس " بلغته الأم الرومانية والتى سيكتب بها كتابين أخرين ثم يهجرها للأبد لصالح الفرنسية التى سيكتب بها بقية كتبه الخمسة عشر غير المخطوطات التى وجدت بعد موته فى عام 1995 عن عمر 84 عام ! هذاالذى عاش طول عمره عدمى متشائم ملقبا نفسه بـ " أنا أول رسول للعدم " وممجدا للإنتحار ، عمّر حتى الرابعة والثمانين !فهل هو التناقض مرة أخرى أم أنه متسق مع فكرته حول أن وجود فكرة الإنتحار فى رأسه هى التى تجعله يتحمل الحياة ولولا ذلك لأختار الموت بلا تردد ؟!
ورغم أن فكر سيوران هو ضد الفرح النتيشوى بإمتياز إلا أنه من المتأثرين بنيتشه فى أسلوب الشذرات الشهير الذى أعاد نيتشه إكتشافه فى العصور الحديثة بعد أن إعتمده الفيلسوف اليونانى الغامض والمتشائم هيراقليطس ،فها هو يعلن عن فائدة الشذرة فى إكتشاف الأغوار الداخلية وتدفق الخيبات الخاصة (في مدرسة ضعاف النفوس نتكوّن، نحن عبدَةُ الشذرة والنـَدبَة. ننتمي إلى زمن إكلينيكيّ لا اعتبار فيه إلاّ للـحالات ننكبُّ على ما سكتَ عنهُ الكاتب، على ما كان يمكنُ أن يقول، على أغواره الصامتة. ولو ترَكَ عملاً فنياً أو أفصح لنا عن نفسه لظفرَ منّا بالنسيان.
لا يسحرنا إلاّ الفنّان اللامُتحقق... المهزوم الذي يَرضى لِخيباتهِ أن تـُهدر، الذي لا يعرف كيف يستثمرها ).
كذلك تأثر بنيتشه فى هجره للرأى العام وإبتعاده عن الجمهور ( لا يجب أبدا الإتفاق مع القطيع حتى ولو كان الحق معه ) وإحتقار أى كتابة تكتب بأى إهتمام لقارئ مفترض (لا عقوبة أشدّ من التكريس.. إذ ما أصبح الكاتب مرجع الجميع حتى يتعذر الرجوع إليه، خشية أن نزيد من حشد المعجبين به، أي خشية أن نزيد من عدد أعدائه ) ..).
وفى تفضيله للوحدة وسعادته بها ( الوحدة تسعدنى كثيرا إلى درجة أن كل لقاء يعنى عملية صلب لى )، و ( نحن نفهم ما هى الوحدة حين نسمع صمت الأشياء )
رسول العدم
أظن أن سيوران تأثر أيضا بالفيلسوف الألمانى المتشائم الكبير شوبنهاور، فهو أيضا كان يرى الوجود مأساة كبرى ، غلطة كان من الأفضل للجميع ألا تقع ،وكان رده على سؤال هاملت الشهير " أكون أو لا أكون " : ( كان من الأفضل لك ألا توجد )
وكان أيضا يمجد الإنتحار ولكنه عاش حتى تجاوز السبعين !
إذن سيوران فعلا رسولا للعدم ولكنه ليس الأول ، هو يكمل رسالة سلفه الكبير شوبنهاور ولكنه تجاوزه بكثافة رفضه وحدّته ( يمكننى أن أرتكب أشد الجرائم ، ألا أن أكون أبا )
، ( أرى المستقبل لدرجة أن لوكان لدى أطفالا لخنقتهم على الفور ) ، ( أنا لا أقاتل العالم بل أقاتل قوة أكبر تعبى من العالم ) وتبلغ العداوة درجة الإجرام المتبادل ( إن دورى هو قتل العالم ودور العالم هو قتلى ونحن نتفاهم جيدا كما هى العادة بين المجرمين )
ويبلغ سيوران ذرى اليأس كما يعنون كتابه الأول ، فليس هناك أمل فقط كما كان يقول المتشائمون السابقون ، بل أن الواجب الإنسانى هو الإيغال أكثر فى المأساة وأقفال الدائرة على نفسك أكثر ( الحياة هى ببساطة لا معقول ..مشروع مسموح به ومقبول ، وواجب الإنسان الوحيد هو وحدة أكبر )
وهنا يقول بكل وضوح ( العذاب هو حالة الوحدة الداخلية والتى لا يقدر أى شئ من الخارج أن يقدم العون )
فإذا كان العذاب هو حالة الوحدة الداخلية والتى لا مهرب منها بل أصبحت هى المطلب والواجب وإذا كان (هى جريمة كبرى أن تعكر على أحدهم وحدته وتضايقه فى أن يكون أناه )
فتصبح الأنا هى العذاب الذى لا مهرب منه بل ويتحول إلى مطلب وواجب فى تلذذ مازوشى يذكرنى بختام رسالة سيزيف لكامو التى أعلن فيها ـ عبر التطابق بين سيزيف فى الأسطورة وقدر الإنسان ـ أن ليس أمام الإنسان وهو يدفع صخرة مصيره المأساوى إلا أن يفرح بذلك التحدى !
وأيضا : ( ليس عليك أن تنتهى على الصليب فأنت قد ولدت مصلوبا )
ليس هذا فقط وإنما راح يحفر عميقا فى أغوار وهم حلم السعادة الطفولى الذى يخفى حقيقة المأساة الإنسانية ويضع أحلاما بلهاء تصنع من أفكار ساذجة ( لو كنا قريبين من الجنة لأبعدتنا السخرية عنها ،أقول لكم أن أفكاركم عن السعادة فوق الزمنية أو القادمة هى أمر غير معقول ، إشفوا نفوسكم من النوستالجيا ، من الهاجس الطفولى ، هاجس بداية الزمن ونهايته البلهاء .وحدهم مشغولولون بالأبدية ، بالبقاء الميت ، إسمحوا للحظة بالعمل ، وتيقنوا من أنها قد كررت التشبع بأحلامكم )
وإذا كان الجحيم عند سارتر متمثل فى الأخرين فها هنا فسحة من الأمل تتمثل فى أغوار الذات الداخلية ، التى تجد وجودها فى تقبل قدرها المتمثل فى كونها حرة وألا يمكن أن توجد على غير ذلك وفى تحمل مسئولية هذه الحرية ومن الإلتزام بهذه المسئولية تنتزع الذات فخرها وكرامتها ، أما سيوران فيغلق علينا الدائرة بالكامل ، فغير جحيم عذاب الذات الداخلى المتمثل فى الوحدة المطلقة ، فإننا فى الخارج نصطدم بالأخر الذى يرغمنا على الزيف رافضا أن يرى حقيقة ذواتنا ومنتقصا من قدرنا بطلب صورة زائفة ، قناع ترتديه الذات من أجل الأخر متحولة إلى مؤدى كالبهلوان ( أطرد الناس من أفكارك ولا تدع أى شئ خارجى أن يلوثها ، واترك للمهرجين هموم البحث عن أشباههم ،الأخر يقلل من شأنك فهو يرغمك على أن تؤدى دورا ما ) ، ( الأخر هو ما يمنعنى عن أن أكون أنا )
وهو يبادل هذا الفعل الضاغط المهاجم من الأخرين بكره صريح ( حين أخرج إلى الشارع لا تخطر فى رأسى غير فكرة الإبادة )
، ( لست أنا من لا يصلح للعالم ، بل العالم لا يصلح لى )
الخميس، 23 سبتمبر 2010
تناقضات الأناجيل 1 ـ الصلب
تختلف رواية الصلب فى الأناجيل حد التناقض الواضح فى أكثر من موقع ، وهذا يبين بشرية هذه النصوص ويسقط عنها إدعاء الوحي الذي لا يخطيء . ولنبدأ بلحظة القبض علي يسوع وتحديد من توجه إليه للقيام بذلك : فنجد أن متي يذكر التالي (26/47) : " وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ " وزاد مرقس علي متي بذكر الكتبة والشيوخ ( مرقس 14/43 ) أما يوحنا فيذكر جند ( وطبعا لا جنود غير الرومان ) وخدم من عند رؤساء الكهنة وفريسيين ( يوحنا 18/3 ) أما لوقا فينفرد عن بقية الأناجيل الثلاثة بذكر حضور رؤساء الكهنة بأنفسهم إذ يقول ( 22/52 ) " ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ جُنْدِ الْهَيْكَلِ وَالشُّيُوخِ الْمُقْبِلِينَ عَلَيْهِ:«كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ! " وأيضا فى موعد المحاكمة تتناقض الأناجيل فبينما يتفق متي (26/57 ) ومرقس (14/53 ) ويوحنا (18/3 ) علي أن المحاكمة تمت فى نفس الليلة يذهب لوقا ( 22/66 ) أن المحاكمة جرت فى الصباح التالي لليلة القبض " وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ اجْتَمَعَتْ مَشْيَخَةُ الشَّعْبِ: رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ، وَأَصْعَدُوهُ إِلَى مَجْمَعِهِمْ 67 قَائِلِينَ:«إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمسِيحَ، فَقُلْ لَنَا» وينفرد مرقس بذكر عدد مرات صياح الديك " قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات" ( مرقس 14/72 ( بينما الثلاثة رواة الأخرين لم يذكروا عدد المرات وإنما يفهم ضمنيا أنها مرة واحدة : (لوقا 22/60) " قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات" و عند متي ( 26/75 ) " فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ يَسُوعَ الَّذِي قَالَ لَهُ:«إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا. " وعند يوحنا ( 18/27 ) " فَأَنْكَرَ بُطْرُسُ أَيْضًا. وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ. " كذلك مسألة الجارية التي كشفت بطرس بها خلاف فى المرتين ، فبينما يذكر متي ويوحنا انه كان واقفا خارج الدار " وأما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار. فجاءت إليه جارية قائلة: وأنت كنت مع يسوع الجليلي" " ( متي 26/69 ) و " وأما بطرس فكان واقفاً عند الباب خارجاً" (يوحنا 8/16) يذهب مرقس ولوقا إلي انه كان داخل الدار يستدفيء من البرد : " بينما كان بطرس في الدار أسفل جاءت إحدى جواري رئيس الكهنة. فلما رأت بطرس يستدفئ نظرت إليه وقالت: وأنت كنت مع يسوع الناصري" (مرقس 14/66 ) و "ولما أضرموا ناراً في وسط الدار وجلسوا معاً جلس بطرس بينهم. فرأته جارية جالساً عند النار، فتفرست فيه وقالت: وهذا كان معه. " (لوقا 22/55-56) كذلك فى المرة الأخري : فبحسب متي تعرفت علي بطرس جارية أخري " " ثم إذ خرج إلى الدهليز رأته أخرى فقالت للذين هناك: وهذا كان مع يسوع الناصري" ( متى 26/71( ولكن عند مرقس فإن نفس الجارية هي التي رأته : " فرأته الجارية أيضاً، وابتدأت تقول للحاضرين: إن هذا منهم" (مرقس 14/69 ). أما عند لوقا فالذي رآه هذه المرة رجل : " وبعد قليل رآه آخر وقال: وأنت منهم.فقال بطرس: يا إنسان لست أنا" (لوقا 22/58) وعند يوحنا أيضا رجلا ولكن يوحنا يزيد بأنه كان قريبا لمن قطع بطرس أذنه بسيفه عند القبض علي يسوع : وذكر يوحنا أن هذا الرجل أحد عبيد رئيس الكهنة " قال واحد من عبيد رئيس الكهنة، وهو نسيب الذي قطع بطرس أذنه أما رأيتك أنا معه في البستان. فأنكر بطرس أيضاً" (يوحنا 18/26) كذلك واقعة حمل الصليب ، فبينما يؤكد يوحنا أن يسوع هو من حمل صليبه : " " فأخذوا يسوع ومضوا به ، فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له الجمجمة "
) يوحنا 19/17( يتفق الرواة الثلاثة الأخرون أن سمعان القيرواني هو الذي حمل الصليب : " ثم خرجوا لصلبه، فسخروا رجلا مجتازاً كان آتياً من الحقل ، وهو سمعان القيرواني أبو الكسندروس وروفس ليحمل صليبه " (مرقس 15/20 – 22 ) ( وأيضا متى 27/32 ، لوقا 23/26 ) وأيضا موقف اللصان اللذان صلبا معه : فبينما يروي متي ومرقس أن اللصين استهزءا بيسوع : "وَاللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ كَانَا يُعَيِّرَانِهِ. " ( مرقس 15/32 ) و " " بذلك أيضاً كان اللصّان اللذان صلبا معه يعيّرانه"(متى 27/44 )
فى حين أن لوقا يذكر أن أحدهما استهزء به والآخر انتهره : " وكان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه قائلاً: إن كنت أنت المسيح فخلّص نفسك وإيانا. فأجاب الآخر وانتهره قائلاً: أولا تخاف الله، .. فقال له يسوع: الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس" ( لوقا 23/39 – 43 ( وأيضا يحدث اختلاف فى آخر ما نطق به يسوع قبل موته فبينما يجعله متي ومرقس يطلق صرخة يأس ورفض مدوية : " إلهي إلهي لماذا تركتني " ( متى 27/46 - 50 ومرقس 15/34 - 37 ) يجعله لوقا راضيا بقدره : " يا أبتاه فى يديك أستودع روحي " ) لوقا 23/46) ومثله يوحنا ولكن باختلاف فى الكلمة حيث يقول : " قد أكمل " ونكس راسه وأسلم الروح " ( يوحنا 19/30 )
الخميس، 16 سبتمبر 2010
خصوصية الإسلام
الثلاثاء، 15 يونيو 2010
بوذية زن والكوان
الكوان هو أحجية ، معضلة لا حل عقلاني لها يقدمها المعلم لتلميذه ليشحذ عقله حتي أقصي طاقة له ، ليكتشف بنفسه فى النهاية أنه عاجز تماما عن إيجاد الحل . وكوان حرفيا تعني الوثيقة العامة ko تعني وثيقة و an تعني عامة . والوثيقة العامة هي ما تقول الأسطورة أن البوذا نطق بها عند ميلاده : " السماء فى الأعلي والأرض فى الأسفل وأنا وحدي الأكثر شرفا " وهي عامة لأنها موجودة داخل كل منا وزن يخبرنا كيف نجاهد لفك مغاليقها ، والكوان إحدي الطرق التي تساعد علي ذلك فهو موجود بداخل كل منا لاشعوريا ، ومهمة المعلم إخراجه من اللاشعور للشعور ليفهمه التلميذ . الوظيفة الرئيسية للكوان هي مساعدة التلميذ علي القفز خارج غرفة عقله إذا جاز التعبير . أن يكف عن التفكير بعقله فى كل شيء فزن ليس لعبة جدلية عقلية ، وإنما هو طريق لإكتشاف حقيقة ذواتنا التي تتجاوز الثنائيات المعتادة فى التفكير المنطقي . لذلك نجد أن المعلم يطلب مننا أمرا غاية فى الغرابة وهو التفكير بالبطن !
وهذه نماذج من الكوانات :
· أظهر المعلم عصاه وهو يقول : " عندما تملكون عصا سأعطيكم واحدة ، وعندما لا تملكون واحدة سآخذها منكم "
· سأل أحد التلاميذ جوشو جوشين : " أللكلب طبيعة بوذا ؟ " أجابه جوشو " مو " وهي كلمة لا تعني شيء مجرد صوت بلا معني ، مثلها مثل كاتز التي اشتهر بها رينزاي وهو أستاذ آخر كبير من أساتذة الزن
· وهذا معلم آخر يقول لتلاميذه : " ثلاثون ضربة من عصاي حينما يكون لديكم شيء تقولونه ، وثلاثون ضربة مثلها حين لا يكون لديكم شيء تقولونه "
· إذا أردت أن تجد بغيتك يجب عليك أن تفقدها
· أحد المعلمين يطلب من تلميذه : " أرني وجهك الأصلي قبل أن تُولد"
· كان هاكوين يرفع إحدي يديه ويقول لتلاميذه : " دعوني أسمع صوت يد واحدة وهي تصفق "
· سر وأنت تمتطي حمارك
· تكلم من دون استخدام لسانك
· أعزف علي عودك الذي لا أوتار فيه
الأحد، 9 مايو 2010
مفهوم الذات فى بوذية الزن
مقاربة زن للذات هي مقاربة لا علمية ، وهذا يعني لكي نفهم الزن علينا أن نسير عكس اتجاه العلماء ، فالعلوم منبسطة بإطراد من المركز إلي الخارج وتنظر للظاهرة نظرة " موضوعية " بينما الزن ذاتي ومتجه نحو الداخل بعمق . فرجل الزن إذا أراد أن يفهم زهرة لا يضعها علي طاولة التشريح كما يفعل العلماء ، بل يصير زهرة يتماثل معها فى كل شئ . الزن يرفض إثنينة الفكر الغربي فى مقاربته للذات حيث انه يؤدي لإنقسامات " الذات " و "الموضوع " أو العارف وموضوع المعرفة وبالتالي تشيئ الإنسان . هذه الطريقة ليس بوسعها أن تخبرنا ما هي الذات كل ما يمكن أن تؤدي إليه هي أن تكلمنا " عن " الذات . أي مقاربة للذات تنتمي للفكر الغربي أو محملة بتضمينات ميتافيزيقية تضعنا فى مثنوية ( الله ـ الإنسان ) ( الإنسان ـ الله ) وينشأ من هذه الثنائية اضطراب فى الاحساس وقلق وخوف ومن ثم النضال من أجل المصالحة بين طرفي هذه الثنائية .
إن رجل زن لا يهتم بالتنظير حول الحياة أو إصدار التعليمات للأخرين هو يعيش علي نحو فريد ، حياته الإبداعية الحرة والأصيلة ، يتخلي عن التحليل والتجريد والمفهمة . ذات مرة سأل راهب معلم زن جوشو جوشين من القرن الثامن الميلادي : " ما هي ذاتي ؟ " فقال جوشو : " هل أنهيت ثريدك الصباحي ؟ " " أجل ، أنهيته " فقال له جوشو : " إذا كان الأمر كذلك ، فاغسل زبديتك " إن الأكل فعل ، والغسل فعل ، ولكن المطلوب فى زن هو الفاعل نفسه الآكل والغاسل الذي يقوم بفعلي الأكل والغسل ، وإذا لم يتم الإمساك بهذا الشخص وجوديا أو تجريبيا ، لا يمكن للمرء أن يتحدث عن الفعل . إن ما يريد جوشو أن يستحوذ عليه هو الفاعل لا الفعل ، وإذا كانت الذات غير قابلة للتشيؤ أو التحويل إلي وقائع فتظل موجودة هناك ، ويقول لنا الزن أن نمسك بها بيدينا العاريتين وأن نُري المعلم تلك التي هي غير قابلة للإمساك أو التشيؤ أو الوصول إليها . الذات الحقيقية التي يشير إليها الزن هي موجودة فى كل طور من أطوار حياتنا ، وهي تتعارض مع الذات السيكولوجية أو الأخلاقية التي تنتمي إلي عالمنا النسبي . وهذه الذات لا يتم الوصول إليها إلا عبر الحدس وإعتماد التلقائية فى الأفعال . وسبب إنقطاع جريان الحدس أو إعاقته هو " التلوث العاطفي " وهذا المصطلح مرادف للمصطلح التوراتي " الأكل من شجرة المعرفة " الذي هو فى الأسطورة السبب المباشر وراء فقدان البراءة . والتلوث العاطفي هو الثشبث بمجموعة إنفعالات متمركزة حول الأنا مثل الشره أو الطمع والبغض والقلق والخوف ومن ذلك ينجم الإنقسام وتخيلات التفريق التي نسقطها علي الواقع . والفهم الصحيح هو أن تكون أنت واحد دائما فى جميع حالاتك : العادية والمقدسة ، الطاهرة والمدنسة . والأهم هو عدم الإعتماد علي أي شيء ، لأن البوذا وليد ما لا يعتمد علي شيء ، وهذا هو الفهم الصحيح لطبيعة البوذا ، وليس الإرتباط بالأسماء والعبارات فحتي تعاليم البوذا نفسها ليست سوي مجرد كلمات وتعبيرات وليست وقائع ، ومن لا يتوصلون إلي الفهم الحقيقي يتشبثون بالكلمات محاولين استخلاص المعني ومن ثم يسقطون فى شراك السببية لأنهم يعتمدون علي شيء ، الكلمات هنا تحولت إلي أوثان تعيق الوصول إلي الذات الحقيقية وهو ما يحدث عند تابعي الأديان الإبراهيمية ، تجدهم جميعا متشبثين بكلمات ويتنافسون فى حفظها وتلاوتها ! إذن الذات عند زن هي مطلقة ولكنها مأسورة فى شباك النسبي وكي تتحرر عليها ألا تعتمد علي شيء وألا تعلق بشيء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعتمدت فى هذا الموضوع علي كتاب د . ت . سوذكي " بوذية الزن والتحليل النفسي " ترجمة محمود منقذ الهاشمي ، دار أزمنة
الجمعة، 23 أبريل 2010
بوذية التشان Chan
دخلت البوذية الصين فى القرن الأول قبل الميلاد قادمة من الهند ولكنها ظلت ضعيفة الإنتشار ولم تزدهر و تأخذ منحي خاص يتسم بطابع الثقافة الصينية إلا فى القرن السادس الميلادي ويقال أن هذا قد تم علي يد الراهب البوذي غريب الأطوار بوذيدهارما Bodhidharma الذي يسميه الصينيون بـ " تا مو " ورغم وجود كتابين ينسبان إلي هذا الراهب ( كلاسيكيات تغيير الأوتار ، وكلاسيكيات تطهير النقي ) إلا أنه لا يوجد دليل علي وجوده ويعتقد أغلب الأكاديميين انه شخصية أسطورية وأهم ما يدعو له هو عدم إعتماد الثنائيات المتضادة أي عدم الفصل بين الروح والجسد ، الأنثي والذكر ، الحركة والسكون ويعتبر أن أقصي درجات الوعي عند الإنسان هي عدم التفريق بين النقائض . قيل أن تا مو قد أعتزل العالم فى غرفة بمعبد Shao- Lin لمدة تسع سنوات وقد جائه أحد الرهبان يريد أن يتعلم منه وقد أراد أن يلفت نظره إليه فقام بقطع يده دليلا علي جديته فى التعلم ولكنه لم يلتفت إليه ! .
يعتبر هوي ننغ ( 638 ـ 713 ) هو المؤسس الحقيقي لمذهب التشان Chan الذي أزدهر فى عهد أسرة تانغ وقد أنكر هوي ننغ وجود العالم المادي تماما خارج عقولنا ورأي أن طبيعة البوذا موجودة داخل كل انسان وانه يستطيع الوصول إليهاعن طريق تصفية نفسه من العلائق التي تشده إلي العالم وتنقية عقله بالرؤية السليمة وعدم تشتيت ذهنه . وكان يعتقد أن الاستنارة تحدث بالتدريج وليس فجأة كما سيذهب البعض من مذهب التشان نفسه فيما بعد . والوصوللإستنارة ليس عن طريق التعلم أو بحفظ أقوال البوذا وممارسة التعاليم بقدر ما هو ناتج عن الاستبطان الداخلي فـ " عندما يعرف الإنسان طبيعته ، فقد يظفر بالطبيعة البوذية من خلال الاستنارة المستمرة ويدرك الحقيقة ويصبح بوذا " والتشان na -Chan هي كتابة بأحرف صينية للكلمة السينسكريتية dhyana التي تعني الإستغراق فى التأمل ، وعندما وصلت اليابان أصبحت تُنطق هكذا zenna ثم أصبح المقطع الأول chan ينطق هكذاzen
الأحد، 18 أبريل 2010
الطاوية تنكر الغائية
لا وجود لغاية محددة وواضحة ينتظم حولها الوجود بأكمله ومن خلالها يتم إضفاء معني علي وجود الكائنات بل والطبيعة الجامدة أيضا ! فعندنا فى الأديان الإبراهيمية أن الإنسان هو سيد الكائنات يسخرها لخدمته وأن الطبيعة مضبوطة علي أداء الإنسان وعلي طبيعته بحسب الخطة الإلهية ، أي أن الله خلق العالم بأكمله من أجل غاية واحدة محددة وهي أن يكون الإنسان فى المركز تماما فيتسيد علي بقية الكائنات بأمر ورضا من الله وليس بفضل مكره ودهاءه فقط . هذه النظرة غير مقبولة من الطاوية بل هي هراء تماما يفنده طفل صغير كما فى الحكاية التالية من التراث الطاوي :
أقام السيد تيان من دولة تشي مأدبة فى قصره حضرها ألف ضيف .
وكان يجلس فى وسطهم فصارت أصناف السمك والطرائد تمر من أمامه فقال بإستمتاع شديد :
" كم هي سخية السماء علي الإنسان ! تصنع السماء خمسة أصناف من القمح للنمو وتجلب قبائل مزعنفة ومريشة مخصوصة لمتعتنا " صفق الجميع ما عدا ولدا فى الثانية عشرة قال :
" انها ليست كما قال سيدي ان الألاف المؤلفة من الكائنات ونحن أنفسنا ننتمي إلي نفس الفصيلة ، لا يوجد نبيل ووضيع . انه فقط بسبب الحجم والقوة أو المكر ، يسود أحد الأنواع علي الآخر ويتغذي أحدها بالأخر .. ولا أحد منها أُنتج لخدمة أغراض الأخرين . الانسان يمسك ويأكل ما هو مناسب لطعامه ، ولكن كيف يمكن اعتبار أن السماء انتجتها له تماما ؟ أن البعوض يمتص من دمه والنمور والذئاب تلتهم لحمه ، لكنا لا نستطيع القول أن السماء أنتجت الانسان لمنفعة البعوض والذئاب والنمور " توضح الحكاية أن الإنسان حينما يغتر بنجاحه وسيطرته علي بقية الكائنات ينسي أن هذا الوضع أُنتج من طبيعة الأمور الحالية وبفضل كفاءة ذكاء الإنسان مقارنة ببقية الكائنات التي فشلت إلي حد كبير فى صراعها مع الإنسان ، ويعتقد أن هكذا هو الوضع العادل و ما ينبغي أن يكون و الكون بأكمله يتمركز حول هذه الغاية ! ناسيا تاريخ أسلافه فى الغابة الحافل بإخفاقات أمام بقية الكائنات القوية والشرسة . فى هذا السياق أجد مقولة دالة جدا لا أتذكر أين قرأتها تقول : " من وجهة نظر الدودة الشريطية فأن الإنسان مخلوق من أجل خدمتها ومتعتها "
الخميس، 8 أبريل 2010
الطاوية و نسبية المعرفة
المعرفة المطلقة عند الطاويين ليست لها وجود ، فهي سطحية وغباء يليقان بنا نحن المثقلون بتراث الأديان الإبراهيمية الذي ما جاء إلا ليرسخ للمطلق بكل تجلياته . فتغدو معرفة الإنسان المستمدة من هذا التراث مطلقة فوق الزمان والمكان والتجربة وغير خاضعة لصيرورة التغيرات ، فالله متعال والإنسان خاضع للطبيعة والزمان خطي يبدأ بلحظة الخلق وينتهي بيوم حساب الكائن الإنساني الذي أصله من أدم ... إلي أخر هذه الخرافات ! لنري حوار دار بين اثنين من أباء الطاوية لنعرف إلي أي مدي كانت نظرتهم عميقة وبعيدة عن الاستسهال :
سأل يه تسويه وانغ يي : أتدري فيم تتفق الأشياء ؟
أجاب وانغ : أنّي لي أن أدري .
فسأله : أتدري ما الذي لا تدري به ؟
أجاب : أنّي لي أن أدري
فسأله : هل جميع الأشياء ليست لها دراية ؟
أجاب : أنّي لي أن أدري . وعلي أي حال سأسعي لأقول شيئا . كيف أعرف أن ما أقول أني اعرفه قد لا يكون فى الحقيقة هو مالا اعرفه ، وكيف اعرف ان ما اقول اني لا اعرفه قد يكون فى الحقيقة هو ما أعرفه واطرح عليك هذه الأسئلة : اذا نام انسان فى مكان وخم اوجعه حقوه وصار نصف جسده فى حكم الميت . لكن الحال مختلف مع سمك الانكليس . اذا عاش انسان فوق شجرة يصاب بالرعب والرعدة ولكن هل هذا هو حال السعادين ؟ من بين هذه الثلاثة من يعرف الطريقة الصحيحة فى السكن ؟ الناس يأكلون اللحم والغزال العشب ، والحريش يحب الأفاعي ، والبوم أو الغراب يحبان الفئران . من بين هذه الأربعة يعرف المذاق السليم ؟ ..... حينما اتبصر فى هذه الأمور اجد ان مبادئ الاحسان والاستقامة وطرائق الصح والغلط فى غاية الامتشاج والاختلاط . من أين لي ان أعرف الفارق بينها ؟
هذا الحوار السابق يبين بجلاء نسبية المعرفة والأحكام المسبقة التي تخضع لمنظور الرائي وموقعه .
الثلاثاء، 23 مارس 2010
الطاوية تنكر وجود خالق
الطاوية تنكر وجود خالق
ليس فقط أن الطاوية لم تأخذ فكرة الإله المشخص مأخذ الجد وإنما أنكرت وجود خالق صراحة ، فلا يوجد مبدأ أو شئ أو كيان منفصل عن هذا الكون وصيرورة التغيرات لاوتسو أكد علي ذلك ولكن بالسلب " اللااسم هو بداية السماء والأرض " و " اللااسم " هذا هو تعبير من لاوتسو عن ما سيقوله شيانغ فو بشكل أكثر وضوحا : اللاشيء .
نقرأ لـ شيانغ فو من القرن الثالث الميلادي : " أريد أن أسأل ما إذا كان الخالق أم لم يكن ؟ إذا لم يكن فكيف خلق الأشياء ؟ وإذا كان فمعني ذلك أنه واحد من هذه الأشياء ، وكيف يستطيع شئ أن ينتج شيئا أخر ؟ " ثم يتوصل شيانغ إلي النتيجة التالية : " ومن هنا ليس من خالق . ولا شيئ يُنتج شيئا ، كل شيئ يُنتج نفسه ولا شيئ يَنتج من الغير . هذا هو النهج السوي للكون " (1) فكيف يتم توفيق هذا الإنكار الصريح لوجود خالق مع فكرة المعلم لاوتسو حول أن الطاو هو " أصل " الموجودات ؟ شيانغ فو يحل هذا الإشكال عن طريق تأويل " الطاو " إلي اللاشيئ فكل الموجودات تنبثق من نفسها : " إن قول التاويين الأوائل بأن الأشياء تنشأ من التاو يعني ببساطة أن كل الأشياء تنشأ من أنفسها . ومن ثم قالوا بأن التاو قادر علي اللاشيء " ويؤكد بشكل صريح لا لبس فيه : " إن القول بأن أي شيء منبثق من التاو يعني انه منبثق من نفسه " وحينما يزول أي مبدأ متعال عن وجود الأشياء أو جوهر سابق علي التجربة أو أصل ،حتي ولو كان تجريد ذهني ، فإننا هنا نكون فى ساحة المادية الصرفة وعدم الإيمان بأي ميتافيزيقيات ، أي الإلحاد الصريح . والبديل للإله عند الطاوية ليس عشوائية الصدفة وإنما الترابط بين كل أجزاء الكون فى نسيج عضوي واحد . نقرأ لـ تشوانغ تسو " فى السماء حركة دائبة وفى الأرض ثبات . هل يتنازع القمر والشمس مجرييهما ؟ من يحكم فوق هذه الأمور ويعمل علي اتساقها وتناغمها ؟ من بدون جهد يحفظها ؟ " (2) وطبعا تساؤل تشوانغ تسو ينطوي علي إجابة ضمنية فلا يوجد مبدأ أول ولا علة ولا محرك للأشياء من الخارج فالعلة والمعلول مندمجان فى الطاو ، والطبيعة لا تتحرك وفق خطة مسبقة وإنما وفق تلقائية شمولية نتيجة التأثير والتأثر بين كل أجزاء الكون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش :1ـ الترجمة لهادي العلوي ، التاو ، المدي 1995
2ـ الترجمة لفراس السواح التاو ، دار علاء الدين 1998
الاثنين، 22 مارس 2010
دائرة الين واليانج ( الين واليانغ )
دائرة الين واليانج
ذكرت من قبل أن الثقافة الصينية لم تأخذ فكرة الإله المشخص مأحذ الجد ، وإنما كانت تؤمن بنوع لاشخصي من الألوهة أي قانون سار علي الكون بأكمله ومندمج معه فعندما سُئل تشوانغ تسو ـ وهو المعلم الثاني الكبير بعد لاوتسوـ عن مكان التاو قال هو فى كل مكان وحينما طُلب منه تمثيله قال " انه هنا فى هذا النمل ، فى الأدغال فى الآجر والقرميد ... وفى الروث أيضا " ( ترجمة هادي العلوي ) ببساطة الكون يقوم بتنظيم نفسه ذاتيا . وترمز الطاوية إلي ذلك المبدأ السابق علي الوجود بدائرة فارغة فلاوتسو يقول " الطاو فارغ ولا ينضبه النضج " ( ترجمة فراس السواح ، أو التاو اناء فارغ يُستعمل دون أن يُملأ ـ ترجمة هادي العلوي ) وإلي المبدأ الفاعل فى الوجود بدائرة الين واليانج ، وهما مبدأي الوجود يمثلان علي التوالي السالب والموجب ، العدم والوجود ، المؤنث والمذكر ، وهي تشرح بجلاء وعمق كيف تعمل الأقطاب المتعارضة معا فهي ظاهريا تناقض بعض بوجود الخط الفاصل بين الأبيض والأسود وهي فى العمق تكمل بعض ولا وجود لأحدهما دون الأخر بالدائرة نفسها أي الكل الذي يحتويهما معا وبالإختلاف نفسه فبدون الأسود لن نعرف الأبيض نقيضه ، فالنقيض يعرف بنقيضه ويمنحه الوجود ، وأيضا الشمول فكل مبدأ هو فى ذاته يشمل الآخر النقيض ويحتوي عليه وذلك بالنقطة البيضاء داخل الدائرة السوداء والنقطة السوداء داخل الدائرة البيضاء ، وأيضا يشيران معا إلي التحول فكل منهما يتحول إلي الآخر حينما يبلغ أقصي غايته . كل شئ فى الكون يحتوي علي مزيج من هذين المبدأين لكن بنسب متفاوتة وحينما تغلب نسبة الأخري تتضح الملامح ويتم التصنيف ، فمثلا الأنوثة والذكورة ( الين واليانج ) موجودان بنسب متفاوتة داخل كل كائن حي وحينما تزيد نسبة أحدهما علي الآخر يصبح الكائن خاضعا لهذا المبدأ وإن بقي المبدأ الآخر منطويا بداخله بشكل مضمر وخافت . الدائرة نفسها من الخارج تمثل الأبدية فالثقافة الصينية ، وربما الشرق الأقصي كله ، لا يؤمن بالبداية الخطية التي تؤدي إلي نهاية ( الخلق والقيامة ) مثلما هو الحال عندنا فى الأديان الإبراهيمية الساذجة ، وإنما هو دوران وعود أبدي ومثلما تعبر الباجفادجيتا " كل ماهو موجود لايمكن أن يكون غير موجود " فقط هي دائرة التحولات ، رقصة دائمة للطاقة وتبادل أدوار أبدي .
الخميس، 18 مارس 2010
الطاوية
المسمى هو أم الآلاف المؤلفة
جرد نفسك من رغائبها تعاين أسراره
إلزم نفسك رغائبها تعاين تجليانه
الأسرار والتجليات أمران سيان في المنشأ
ولكنهما لا يستويان بالاسم عند صدورهم " أو من ترجمة هادي العلوي : " غير المسمي هو منشأ السماء والأرض ، المسمي هو أم العشرة ألاف شئ ، دائم اللارغبة يري المحجوب ، دائم الرغبة يري المشهود ، هذان الأثنان ينبتثقان من أصل واحد "
يتبع ...
الخميس، 11 فبراير 2010
مؤسس الطاوية لاوتسو ( نبذة عن حياته )
السبت، 30 يناير 2010
الحقائق الأربع النبيلة
الحقائق الأربع النبيلة
1 ـ حقيقة المعاناة ( دوكها )
لا تعني هذه الحقيقة أن الحياة ألم ومعاناة فى التفاصيل اليومية فقط ، لا فهذا فهم سطحي ، وإنما تتضمن الألم الناتج عن النزوع الإنساني العميق نحو الجوهرية والكمال وإفتقاد ذلك بسبب الصيرورة الدائمة ونسبية الأشياء وعدم ديمومتها
فحتي لو كان الإنسان سعيدا بالمعني المتعارف عليه لهذه الكلمة فهو أيضا فى الـ ( دوكها ) لأن سعادته هذه مشروطة بمسبباتها وبزوال هذه المسببات أو تغيرها ، والكائن نفسه خاضعا للـ ( دوكها ) فهو عبارة عن علاقة وتفاعل بين مجموعات مادية ووظائف حيوية منتجة بناء علي ظروف محددة ، فالوعي نفسه غير مستقل عن تشكيلات المادة والظروف التي أنتجته . " كل ما هو غير دائم دوكها " .
2 ـ حقيقة أصل المعاناة
السبب وراء أن هناك معاناة أو أصل ظهور ( دوكها ) هو الرغبة الشديدة والنهم المشبوب وراء لذائذ الحواس والتعلق والإرتباط برغبات أخري ومتع غير حسية تجدد نفسها علي الدوام مثل الثروة والقوة والشهرة ، بل والأفكار والمعتقدات والأراء ، وإرواء هذا العطش الدائم هو عملية مستحيلة لأن الرغبات تتجدد مشتعلة أكثر وتطلب المزيد وكما قال بوذا " إن العالم يعاني من الكبت والحرمان وتنتابه رغبة شرهة لأنه عبد للعطش " وأيضا فى هذه الحقيقة يتضمن مبدأ ميتافيزيقي شهير عند البوذيين وهو السمسارا ( تعاقب الولادات ) فالعطش الدائم أو الفعل الإرادي يجدد الرغبة فى الوجود فيتم ميلاد جديد بحسب مبدأ الكارما ( المبدأ الذي يحدد القدر الشخصي من سعادة أو معاناة فى هذه الحياة بناء علي الأفعال فى الحياة السابقة ) غير أنني سـأهمل النظر في هذه النقطة بالتحديد لأنها هي الخرافة الوحيدة فى البوذية وحيث أنني لا أنظر إليها إلا كطريقة للعلاج النفسي فلست معنيا بالتدقيق فى الأبعاد الميتافيزيقية للطريقة
3 ـ حقيقة توقف المعاناة ( النرفانا )
الحقيقة الثالثة هي أنه يمكن إيقاف المعاناة والتحرر منها ، عن طريق التخلص من جذر ( دوكها ) وهو العطش وهذه الحالة تعرف بالنيرفانا وهي كلمة سنسيكريتية تعني إنطفاء والإنطفاء هنا ليس للحياة كما قد يظن بعض نقاد البوذية الذين يرون فى ذلك عدمية ، وإنما الإنطفاء لفهم ضيق ووهمي للذات بإعتبارها "أنا " تتمحور حول شعلة من الرغبات المتقدة والتي شبهها بوذا بضوء شمعة فى عدم وجود هواء يبدو ثابتا مثل وهم ثبات الأنا عندنا جميعا ولكنها تتغذي بإستمرار علي الشحم ، كذلك الانا تتغذي بإستمرار علي تدفق الأفكار المتعلقة بالرغبات ولن يتم هذا الإنطفاء إلا بوقف سيل التدفق المستمر للجشع والبغض والرغبة فى القوة والإنغماس في الشهوات الحسية . ولكن السؤال حول "طبيعة " النرفانا سؤال شائك ولا يمكن إجابته بسبب قصور اللغة التي لا تستطيع الخوض بمناطق ليست لها رصيد من الخبرة فى وعي الشعوب التي أنتجت هذه اللغة ، لكنها بشكل عام تشير إلي حالة : " استئصال العطش " وحالة " غير المركب " و " غير المشروط " و " غياب الرغبة " يعرف د. ت سوذكي الإستنارة بقوله : " أن تشعر أنك فوق الأرض ببضعة سنتيمترات "
4 ـ حقيقة الطريق إلي توقف المعاناة
وتعرف هذه الحقيقة بالطريق الوسط ذي الشعاب الثماني ، لأنه وسط مابين البحث عن السعادة بطريق الإفراط بالشهوات كما يفعل أغلب الناس وما بين البحث عنها عن طريق إماتة الشهوات بالتنسك والصرامة الشديدة والقسوة مع النفس وإيلامها. بوذا نفسه جرب هذين الطريقين وعرف عدم جدواهما وإكتشف بنفسه الطريق الوسط الذي يقود إلي النرفانا ، وهو ذو ثماني شُعاب :
1 ـ الرؤية الصحيحة
2 ـ الفكر الصحيح
3 ـ الكلام الصحيح
4 ـ العمل الصحيح
5 ـ وسائل الحياة الصحيحة
6 ـ المجهود الصحيح
7 ـ الانتباه الصحيح
8 ـ التركيز الصحيح
الثلاثاء، 26 يناير 2010
نبذة عن حياة البوذا
كي نتعرف علي مذهب الزن ينبغي أن نعرف ما هي البوذية بشكل عام أولا ، ومن ثم نعرض بشكل سريع إلي التاوية ـ رافد زن الآخر فى الصين ـ قبل أن تكتمل فى اليابان .
البوذية :
نبذة عن حياة البوذا
لا يوجد أي دليل علي أن بوذا شخصية تاريخية ، ولكن هذا لا يعنينى حيث أنني أنظر إلي هذا المذهب علي أنه نوع من الشفاء النفسي أو طريقة من طرق العلاج النفسي التي سبرت بعمق مكنونات النفس البشرية ، وطبعا لن يغير من ذلك سواء كانت البداية علي يد شخص تاريخي أو هي تأملات جمعية أخذت تتبلور عبر الزمن وأخترعت لها نموذج أسطوري شخصي فى زمن سابق .
وُلد غواتاما سيد هارتا الذي سيصر البوذا( التي تعني المستيقظ أو من حقق الاستنارة ) علي حدود نيبال لأب هو ملك قبيلة شاكيا ولذلك فمن ألقابه "شاكيا موني " التي تعني حكيم قبيلة شاكيا . وطبعا مثل أي ميلاد لشخص عظيم فلابد لذاكرة الشعوب من أن تنسج أحداثا أسطورية تنبئ بأن ثمة حدثا كونيا يتحقق مع هذا الميلاد ، فتحلم أمه " مايا " بأربعة ملوك يحملون سريرها وهي نائمة فوقه ويضعونها علي قمة جبال الهيمالايا وهناك يأخذنها الملكات الأربع زوجات هؤلاء الملوك ويغسلون جسدها فى نبع ماء صاف وبعد ذلك يأتي فيل أبيض ضخم يدخل رحمها . وعندما يلجأ الملك إلي البراهمة لتفسير الحلم يخبرونه أنه سينجب ولدا إما أن يكون ملكا عظيما أو ـ إذا ترك العالم وتنسك ـ سيصير البوذا . لذلك فإن الأب سيعمل علي شغل إهتمام ابنه سيد هارتا عن طريق إحاطته بكافة أنواع الملذات فى حياة باذخة ومترفة داخل قصر ضخم لا يخرج منه أبدا . سيتزوج فى السادسة عشرة وسينجب ابنا يدعوه راهولا . وفي إحدي جولات الأمير الشاب سيصادف رجلا يعذبه المرض ثم شيخا طاعنا فى السن ثم ميتا يحمله أهله إلي المحرقة ، ثم رجلا حليق الرأس نذر نفسه إلي حياة التنسك والتحرر من عبث الحياة ، و كانت هذه هي البداية التي جذبت إهتمام الأمير اللاهي من حياة الدعة إلي التفكير في متغيرات الحياة : نعم الحياة تحتوي علي الألم والمعاناة ، فأسباب السعادة التي يستند إليها ليست دائمة فالشباب سيذهب يوما ما وتأتي الشيخوخة والمرض ، والموت آت لا مفر . فى التاسعة والعشرين سيترك الأمير الشاب القصر ويقص شعره ويرتدي ثوبا فقيرا ويمضي باحثا عن الحقيقة التي لا تتغير ، وخلال ست سنوات من التنسك الشديد والصرامة الهائلة مع النفس ـ بحيث أشرف علي الهلاك من شدة الهزال ـ أدرك بوذا أن هذا الطريق لن يؤدي به إلي شئ ، وفى النهار الذي سبق الإستنارة تقول الأسطورة أنه سمع مطربة تغني " الوتر المرخي لا يصدر لحنا والوتر كثير الشد ينقطع ولا يصدر لحنا " فعرف أنها رسالة له هو ، أغتسل فى النهر وقبل طبق أرز بالحليب من يد عذراء وأكل فشعر أنه استرد عافيته . هنا تمرد عليه أتباعه الخمسة الذين كانوا يعتبرونه مرشدهم الروحي وتركوه ومضوا . إختار شجرة ضخمة ( شجرة التين المقدسة ) وجلس تحتها وهو يُلزم نفسه بألا يقوم من تحتها أبدا إلا مستنيرا أو يموت .