Bookmark and Share

الأحد، 9 مايو 2010

مفهوم الذات فى بوذية الزن

مقاربة زن للذات هي مقاربة لا علمية ، وهذا يعني لكي نفهم الزن علينا أن نسير عكس اتجاه العلماء ، فالعلوم منبسطة بإطراد من المركز إلي الخارج وتنظر للظاهرة نظرة " موضوعية " بينما الزن ذاتي ومتجه نحو الداخل بعمق . فرجل الزن إذا أراد أن يفهم زهرة لا يضعها علي طاولة التشريح كما يفعل العلماء ، بل يصير زهرة يتماثل معها فى كل شئ . الزن يرفض إثنينة الفكر الغربي فى مقاربته للذات حيث انه يؤدي لإنقسامات " الذات " و "الموضوع " أو العارف وموضوع المعرفة وبالتالي تشيئ الإنسان . هذه الطريقة ليس بوسعها أن تخبرنا ما هي الذات كل ما يمكن أن تؤدي إليه هي أن تكلمنا " عن " الذات . أي مقاربة للذات تنتمي للفكر الغربي أو محملة بتضمينات ميتافيزيقية تضعنا فى مثنوية ( الله ـ الإنسان ) ( الإنسان ـ الله ) وينشأ من هذه الثنائية اضطراب فى الاحساس وقلق وخوف ومن ثم النضال من أجل المصالحة بين طرفي هذه الثنائية .

إن رجل زن لا يهتم بالتنظير حول الحياة أو إصدار التعليمات للأخرين هو يعيش علي نحو فريد ، حياته الإبداعية الحرة والأصيلة ، يتخلي عن التحليل والتجريد والمفهمة . ذات مرة سأل راهب معلم زن جوشو جوشين من القرن الثامن الميلادي : " ما هي ذاتي ؟ " فقال جوشو : " هل أنهيت ثريدك الصباحي ؟ " " أجل ، أنهيته " فقال له جوشو : " إذا كان الأمر كذلك ، فاغسل زبديتك " إن الأكل فعل ، والغسل فعل ، ولكن المطلوب فى زن هو الفاعل نفسه الآكل والغاسل الذي يقوم بفعلي الأكل والغسل ، وإذا لم يتم الإمساك بهذا الشخص وجوديا أو تجريبيا ، لا يمكن للمرء أن يتحدث عن الفعل . إن ما يريد جوشو أن يستحوذ عليه هو الفاعل لا الفعل ، وإذا كانت الذات غير قابلة للتشيؤ أو التحويل إلي وقائع فتظل موجودة هناك ، ويقول لنا الزن أن نمسك بها بيدينا العاريتين وأن نُري المعلم تلك التي هي غير قابلة للإمساك أو التشيؤ أو الوصول إليها . الذات الحقيقية التي يشير إليها الزن هي موجودة فى كل طور من أطوار حياتنا ، وهي تتعارض مع الذات السيكولوجية أو الأخلاقية التي تنتمي إلي عالمنا النسبي . وهذه الذات لا يتم الوصول إليها إلا عبر الحدس وإعتماد التلقائية فى الأفعال . وسبب إنقطاع جريان الحدس أو إعاقته هو " التلوث العاطفي " وهذا المصطلح مرادف للمصطلح التوراتي " الأكل من شجرة المعرفة " الذي هو فى الأسطورة السبب المباشر وراء فقدان البراءة . والتلوث العاطفي هو الثشبث بمجموعة إنفعالات متمركزة حول الأنا مثل الشره أو الطمع والبغض والقلق والخوف ومن ذلك ينجم الإنقسام وتخيلات التفريق التي نسقطها علي الواقع . والفهم الصحيح هو أن تكون أنت واحد دائما فى جميع حالاتك : العادية والمقدسة ، الطاهرة والمدنسة . والأهم هو عدم الإعتماد علي أي شيء ، لأن البوذا وليد ما لا يعتمد علي شيء ، وهذا هو الفهم الصحيح لطبيعة البوذا ، وليس الإرتباط بالأسماء والعبارات فحتي تعاليم البوذا نفسها ليست سوي مجرد كلمات وتعبيرات وليست وقائع ، ومن لا يتوصلون إلي الفهم الحقيقي يتشبثون بالكلمات محاولين استخلاص المعني ومن ثم يسقطون فى شراك السببية لأنهم يعتمدون علي شيء ، الكلمات هنا تحولت إلي أوثان تعيق الوصول إلي الذات الحقيقية وهو ما يحدث عند تابعي الأديان الإبراهيمية ، تجدهم جميعا متشبثين بكلمات ويتنافسون فى حفظها وتلاوتها ! إذن الذات عند زن هي مطلقة ولكنها مأسورة فى شباك النسبي وكي تتحرر عليها ألا تعتمد علي شيء وألا تعلق بشيء .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إعتمدت فى هذا الموضوع علي كتاب د . ت . سوذكي " بوذية الزن والتحليل النفسي " ترجمة محمود منقذ الهاشمي ، دار أزمنة

هناك 4 تعليقات:

  1. "الذات عند زن هى مطلقة ولكنها مأسورة فى شباك النسبى وكى تتحرر عليها ألا تعتمد على شىء وألا تعلق بشىء" - يا عزيزى جرجس، ألا يمكن اعتبار هذا الكلام نوع من البلاغة الشبيهة بنصوص الأديان الإبراهيمية، ما مدى إمكانية ألا تعتمد الذات على أى شىء؟ كيف يمكن تحقيق ذلك فى هذا العالم؟ إلا إن وضعنا الاحترازات من قبيل لا تعتمد على ما ليس بيديك أو مثلا لا تعتمد على شىء مطلق أو ... إلخ ، وفى هذه الحالة أيضا سنتفرع إلى تأويلات تفضى إلى تأويلات لمعنى "ما ليس بيديك " أو المقصود ب"المطلق" وهكذا...

    ردحذف
  2. أهلا
    لا ليست بلاغة شبيهة بالأديان الإبراهيمية
    إمكانية قطع العلائق موجودة عند كل إنسان ، فقط أن يكون هناك إرادة وتصميم .

    ردحذف
  3. أولا هذه معلومات فلسفية جديدة علي .. ولكن لم أكن أعلم أن للزن والطنين قيمة كبيرة إلا عندما مررت بتجربة مشابهة وأصحت أحس بتوحد مع الأزهار الطبيعية وأحس برقتها وسحرها، عندها فقط أصبح عالمي كله ذا ألوان ذاهية بعد أن كان باهت المعالم.

    لقد أعجبني الطرح كثيرا .. وكذلك أعجبتني شجرة المعرفة وقد قررت منذ فترة أن استظل بشجرة العلم، ولم أكن أعرف أنها هي نفسها شجرة المعرفة.

    شكرا ولك كل التقدير

    ردحذف
  4. أهلا دندنة

    أتمني لك حياة رائعة وتجربة فريدة بعيدا عن الأفكار المسبقة

    شكرا لمرورك

    ردحذف