Bookmark and Share

الاثنين، 12 أكتوبر 2009

الإلحاد : ملاحظة على المصطلح

يقول معجم لسان العرب :

لحَد القبر يلحَدهُ لَحْدًا عمل لهُ لحْدًا. واللحد حفرهُ. والميت دفنهُ. وإلى فلانٍ مال ولحَد في دِين اللَّه لغة في الحد. واللحد حفرهُ. وعن دِين الله وغيرهِ مال وحاد وعدل وطعن فيه. والرجل مارَى وجادَلَ. وفي الحَرَم ترك القصد

نفهم من أصل الكلمة فى اللغة العربية أن لأساس هو الدين وأن الملحد ما هو إلا طاعن ومعدل فى هذا الدين

وهذا إقتباس من ويكبيديا العربية :

في التاريخ العربي هناك ادلة على وجود ملحدين قبل الإسلام باسم آخر وهو الدهريين الذين كانوا يعتقدون بقدم العالم وأن العالم لا أول له ويذكرهم القران بقوله " وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم ان هم الا يظنون(24) ". الجاثية، لذا فقد ألف جمال الدين الأفغاني كتاباً للرد على الملحدين المعاصرين وأسماه "الرد على الدهريين". أما كلمة الإلحاد فكانت تستعمل فقط للأناس الذين كانوا لا يتبعون الدين و أوامره بإعتبار الدين منزل أو مرسل من لدن الإله. وفي الكتب المقدسة نجد ذكراً لأشخاص أو جماعات لا يؤمنون بدين معين أو لا يؤمنون بفكرة يوم الحساب أو كانوا يؤمن بآلهة على شكل تماثيل (أصنام) كانت غالبا تصنع من الحجارة. وقد وردت كلمة الإلحاد ومشتقاتها في القرآن في المواضع التالية:

سورة الأعراف: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون(180)

سورة النحل: ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين (103)

سورة فصلت: ان الذين يلحدون في اياتنا لا يخفون علينا افمن يلقى في النار خير ام من ياتي امنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير (40)

الكلمات الآنفة الذكر في القرآن هي لا تأتي بمعنى الإلحاد بالمفهوم الحالي المتعارف عليه. فهنا تأتي بمعاني مختلفة وأهمها الشك في شيء والميل عنه. وكذلك الشخصيات المذکورة في القرآن من الذين كانوا لا يؤمنون برسالة محمد كانوا شخصيات غير ملحدة (بالمفهوم الحالي) بل کانوا يؤمنون بتعدد الآلهة "مشركون" فبالرغم من اعتقادهم بوجود الإله الأوحد فإنهم كانوا بنفس الوقت يؤمنون بأن التماثيل التي كانوا يعبدونها بإستطاعتها الشفاعة لهم عند الإله الأعظم. سورة العنكبوت: ولئن سالتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فانى يؤفكون (61)


أقترح أن يتم إعادة النظر فى الكلمة العربية ( الإلحاد ) ومشتقاتها ، فهى تطرح الإلتباسات التالية :
1 ـ مركزية الدين وهامشية الإلحاد ( ما الملحد سوى شخص مال أو طاعن فى هذا المركز )
2ـ المصطلح تاريخيا كان يقتصر على الذين رفضوا الإسلام أو قبلوه بفهم خاص
3ـ المصطلح لا يفرق ما بين الدينى واللادينى ( مثل الجمع ما بين من رفضوا النبوة وبين بعض فرق غلاة الشيعة ! )

لذلك أقترح كلمة بديلة نصف بها غير المؤمنين بالله : اللاألوهيين




الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

إشتباك العقائدى مع التاريخى




لا شك أن رؤية الإنسان للعالم وتكون وعيه بكل ما يزخر به من إجابات أو محاولات إجابات عن الأسئلة الكبرى من نحن ؟ من أين أتينا ؟ إلى أين نحن ذاهبون ؟ بالضرورة متشابك مع صراع الإنسان مع الطبيعة ومع سيرورة التحول الإجتماعى
لذلك لن يستقيم الكلام عن الإلحاد كموقف فكرى بحت بمعزل عن السياق التاريخى الذى أنتجه .ورغم أننا لا نجد كثافة عددية وظهورا قويا للإلحاد فى العالم بشكل عام قبل عصر التنوير إلا أن هذا لا يعنى أن نقصر وجود الإلحاد بالعصور الحديثة ، فثمة سطوعات فردية كانت تشرق وسط الأغلبية السائدة الحاملة للوعى التقليدى الذى فى الأغلب يكون إنعكاسا لإحتياجات الإنسان سيكولوجيا وسوسيولوجيا وكوزمولوجيا
التاريخ يخبرنا أن الإلحاد مرتبط بالمدنية ، حيث أنها الشوط الأخير من مراحل الحضارة ، وحيث أننا أبناء منطقة الحضارات القديمة ( السومرية والفرعونية والفينقية ) فثمة يقين غير مدعوم لدى بأننا قد عرفنا الإلحاد مبكر جدا ولكن للأسف فإن التاريخ لم يحفظ لنا ما يثبت ذلك ، ربما لأن التاريخ دائما تكتبه السلطة ومثقفوها الذين هم فى الأغلب يكونون ترجمة حية للوعى العام السائد ذلك الوعى الذى كان دائما لا يكتفى بحصار المخالف وتهميشه وإنما محوه كلية من الوجود
على الرغم من ذلك فإن التاريخ يقول لنا أن المساحة التى كانت متاحة لقبول الآخر فى منطقة حضارات الشرق الأدنى كانت قديما أكبر بكثير من الهامش الضيق الموجود الآن ، ويعود الفضل فى ذلك إلى أن البشرية فى تلك المرحلة التاريخية كانت تؤمن بتعدد الألهة ( الوثنية ) وكانت الشعوب على درجة عالية من النضج الإجتماعى الذى يجعلها تحرص على تنمية مواردها عبر التجارة وتبادل الخبرات المعرفية مع الشعوب الأجنبية بآلهتها المختلفة الأمر الذى جعل مسألة وجود المخالف فى الإعتقاد الدينى أمرا عاديا جدا
ويشهد التاريخ بعدم وجود إضطرابات عامة ذات طابع دينى أو اضطهادات جماعيةعلى إساس التمييز الدينى فى فترة الإيمان بالتعدد
على العكس تماما بعد ظهور الإله الواحد على مسرح التاريخ وفى أول إصدار له بتوقيع الفرعون المصرى أمنحوتب الرابع الذى تلقب بإخناتون ودعا إلى إله واحد عالمى أسماه آتون فرض عبادته بالقوة وأغلق معابد الإله آمون وأجبر الكهنة على تقديس وعبادة آتون
ويسير على نهجه بقية الموحدين من منشئ الأديان ـ سواء كانوا شخصيات أسطورية أو شخصيات تاريخية ـ موسى ويسوع ومحمد ورغم أن البعض قد يرفض نسب الإجبار أو الإكراه إلى موسى وعيسى ( بإعتبار أن الأول وجه رسالته إلى شعب واحد ، والثانى يدعو إلى التسامح حتى مع الأعداء ) إلا أن رفض الأخر غير المنتمى إلى الدين حاد وقاطع .
والأسوأ أن يرتبط الإله بالقومية فيصبح الرفض موجه للعرقيات الأخرى فتنقلب غاية الدين ـ المفترضة ـ من دعوة لتسامح الإنسان مع أخيه الإنسان إلى قنبلة كره تشع فى كافة الإتجاهات وللأسف تساقط ضحايا كثيرين شرقا وغربا ، فكما أن قيام الكنيسة الكاثوليكية بحرق فيلسوف وحدة الوجود جوردانو برونو وأخرون سيظل وصمة عار أبدية فى تاريخها كذلك عندنا فإن دماء الحلاج وابن المقفع والسهروردى وصالح بن عبدالقدوس وغيرهم ستظل عارا أبديا على الإسلام ، ورغم هذا الإرهاب العنيف إلا أن المفكرين الأحرار لم ينعدموا من تاريخنا ، بل ظهر من يهاجم الفكر الدينى فى عقر داره ، بغداد، حاضرة الخلافة العباسية من أمثال ابن الراوندى وابن زكريا الرازى وابن المقفع ، صحيح أن هؤلاء لم ينكروا وجود الله صراحة ، ولكن مع ذلك يمكن عدهم ملحدين بالمعنى الحرفى للكلمة فى العربية حيث أنهم رفضوا النبوة صراحة التى هى الوسيط بين الله والإنسان وطالما انتفى هذا الوسيط فلا سبيل للوصول إلى الله ،أى أن وجوده يساوى عدم وجوده وهذا هو البعد الكامن فى دعوى ابن الراوندى والرازى للإكتفاء بالعقل فإذا كانت رسالة الله المزعومة تتعارض مع العقل الإنسانى ومعطاياته فهى شاذة وبالتالى باطلة ، وإذا كانت تتوافق مع العقل فهى نافلة أى لا لزوم لها
ولكن للأسف فإن هذا التراث العظيم تمت عملية مطاردته ونفيه عبر عملية حرق الكتب تلك العادةالتى يمارسها كل الطغاة المتزمتين ، ولكن رغم ذلك فإن تلك الإشراقات تظل ساطعة طوال التاريخ وتصلنا حتى عبر كتب الخصوم أعداء القيم الإنسانية الحقة :الحرية والعقلانية