Bookmark and Share

السبت، 30 يناير 2010

الحقائق الأربع النبيلة

الحقائق الأربع النبيلة

1 ـ حقيقة المعاناة ( دوكها )

لا تعني هذه الحقيقة أن الحياة ألم ومعاناة فى التفاصيل اليومية فقط ، لا فهذا فهم سطحي ، وإنما تتضمن الألم الناتج عن النزوع الإنساني العميق نحو الجوهرية والكمال وإفتقاد ذلك بسبب الصيرورة الدائمة ونسبية الأشياء وعدم ديمومتها

فحتي لو كان الإنسان سعيدا بالمعني المتعارف عليه لهذه الكلمة فهو أيضا فى الـ ( دوكها ) لأن سعادته هذه مشروطة بمسبباتها وبزوال هذه المسببات أو تغيرها ، والكائن نفسه خاضعا للـ ( دوكها ) فهو عبارة عن علاقة وتفاعل بين مجموعات مادية ووظائف حيوية منتجة بناء علي ظروف محددة ، فالوعي نفسه غير مستقل عن تشكيلات المادة والظروف التي أنتجته . " كل ما هو غير دائم دوكها " .

2 ـ حقيقة أصل المعاناة

السبب وراء أن هناك معاناة أو أصل ظهور ( دوكها ) هو الرغبة الشديدة والنهم المشبوب وراء لذائذ الحواس والتعلق والإرتباط برغبات أخري ومتع غير حسية تجدد نفسها علي الدوام مثل الثروة والقوة والشهرة ، بل والأفكار والمعتقدات والأراء ، وإرواء هذا العطش الدائم هو عملية مستحيلة لأن الرغبات تتجدد مشتعلة أكثر وتطلب المزيد وكما قال بوذا " إن العالم يعاني من الكبت والحرمان وتنتابه رغبة شرهة لأنه عبد للعطش " وأيضا فى هذه الحقيقة يتضمن مبدأ ميتافيزيقي شهير عند البوذيين وهو السمسارا ( تعاقب الولادات ) فالعطش الدائم أو الفعل الإرادي يجدد الرغبة فى الوجود فيتم ميلاد جديد بحسب مبدأ الكارما ( المبدأ الذي يحدد القدر الشخصي من سعادة أو معاناة فى هذه الحياة بناء علي الأفعال فى الحياة السابقة ) غير أنني سـأهمل النظر في هذه النقطة بالتحديد لأنها هي الخرافة الوحيدة فى البوذية وحيث أنني لا أنظر إليها إلا كطريقة للعلاج النفسي فلست معنيا بالتدقيق فى الأبعاد الميتافيزيقية للطريقة

3 ـ حقيقة توقف المعاناة ( النرفانا )

الحقيقة الثالثة هي أنه يمكن إيقاف المعاناة والتحرر منها ، عن طريق التخلص من جذر ( دوكها ) وهو العطش وهذه الحالة تعرف بالنيرفانا وهي كلمة سنسيكريتية تعني إنطفاء والإنطفاء هنا ليس للحياة كما قد يظن بعض نقاد البوذية الذين يرون فى ذلك عدمية ، وإنما الإنطفاء لفهم ضيق ووهمي للذات بإعتبارها "أنا " تتمحور حول شعلة من الرغبات المتقدة والتي شبهها بوذا بضوء شمعة فى عدم وجود هواء يبدو ثابتا مثل وهم ثبات الأنا عندنا جميعا ولكنها تتغذي بإستمرار علي الشحم ، كذلك الانا تتغذي بإستمرار علي تدفق الأفكار المتعلقة بالرغبات ولن يتم هذا الإنطفاء إلا بوقف سيل التدفق المستمر للجشع والبغض والرغبة فى القوة والإنغماس في الشهوات الحسية . ولكن السؤال حول "طبيعة " النرفانا سؤال شائك ولا يمكن إجابته بسبب قصور اللغة التي لا تستطيع الخوض بمناطق ليست لها رصيد من الخبرة فى وعي الشعوب التي أنتجت هذه اللغة ، لكنها بشكل عام تشير إلي حالة : " استئصال العطش " وحالة " غير المركب " و " غير المشروط " و " غياب الرغبة " يعرف د. ت سوذكي الإستنارة بقوله : " أن تشعر أنك فوق الأرض ببضعة سنتيمترات "

4 ـ حقيقة الطريق إلي توقف المعاناة

وتعرف هذه الحقيقة بالطريق الوسط ذي الشعاب الثماني ، لأنه وسط مابين البحث عن السعادة بطريق الإفراط بالشهوات كما يفعل أغلب الناس وما بين البحث عنها عن طريق إماتة الشهوات بالتنسك والصرامة الشديدة والقسوة مع النفس وإيلامها. بوذا نفسه جرب هذين الطريقين وعرف عدم جدواهما وإكتشف بنفسه الطريق الوسط الذي يقود إلي النرفانا ، وهو ذو ثماني شُعاب :

1 ـ الرؤية الصحيحة

2 ـ الفكر الصحيح

3 ـ الكلام الصحيح

4 ـ العمل الصحيح

5 ـ وسائل الحياة الصحيحة

6 ـ المجهود الصحيح

7 ـ الانتباه الصحيح

8 ـ التركيز الصحيح

الثلاثاء، 26 يناير 2010

نبذة عن حياة البوذا

كي نتعرف علي مذهب الزن ينبغي أن نعرف ما هي البوذية بشكل عام أولا ، ومن ثم نعرض بشكل سريع إلي التاوية ـ رافد زن الآخر فى الصين ـ قبل أن تكتمل فى اليابان .

البوذية :

نبذة عن حياة البوذا

لا يوجد أي دليل علي أن بوذا شخصية تاريخية ، ولكن هذا لا يعنينى حيث أنني أنظر إلي هذا المذهب علي أنه نوع من الشفاء النفسي أو طريقة من طرق العلاج النفسي التي سبرت بعمق مكنونات النفس البشرية ، وطبعا لن يغير من ذلك سواء كانت البداية علي يد شخص تاريخي أو هي تأملات جمعية أخذت تتبلور عبر الزمن وأخترعت لها نموذج أسطوري شخصي فى زمن سابق .

وُلد غواتاما سيد هارتا الذي سيصر البوذا( التي تعني المستيقظ أو من حقق الاستنارة ) علي حدود نيبال لأب هو ملك قبيلة شاكيا ولذلك فمن ألقابه "شاكيا موني " التي تعني حكيم قبيلة شاكيا . وطبعا مثل أي ميلاد لشخص عظيم فلابد لذاكرة الشعوب من أن تنسج أحداثا أسطورية تنبئ بأن ثمة حدثا كونيا يتحقق مع هذا الميلاد ، فتحلم أمه " مايا " بأربعة ملوك يحملون سريرها وهي نائمة فوقه ويضعونها علي قمة جبال الهيمالايا وهناك يأخذنها الملكات الأربع زوجات هؤلاء الملوك ويغسلون جسدها فى نبع ماء صاف وبعد ذلك يأتي فيل أبيض ضخم يدخل رحمها . وعندما يلجأ الملك إلي البراهمة لتفسير الحلم يخبرونه أنه سينجب ولدا إما أن يكون ملكا عظيما أو ـ إذا ترك العالم وتنسك ـ سيصير البوذا . لذلك فإن الأب سيعمل علي شغل إهتمام ابنه سيد هارتا عن طريق إحاطته بكافة أنواع الملذات فى حياة باذخة ومترفة داخل قصر ضخم لا يخرج منه أبدا . سيتزوج فى السادسة عشرة وسينجب ابنا يدعوه راهولا . وفي إحدي جولات الأمير الشاب سيصادف رجلا يعذبه المرض ثم شيخا طاعنا فى السن ثم ميتا يحمله أهله إلي المحرقة ، ثم رجلا حليق الرأس نذر نفسه إلي حياة التنسك والتحرر من عبث الحياة ، و كانت هذه هي البداية التي جذبت إهتمام الأمير اللاهي من حياة الدعة إلي التفكير في متغيرات الحياة : نعم الحياة تحتوي علي الألم والمعاناة ، فأسباب السعادة التي يستند إليها ليست دائمة فالشباب سيذهب يوما ما وتأتي الشيخوخة والمرض ، والموت آت لا مفر . فى التاسعة والعشرين سيترك الأمير الشاب القصر ويقص شعره ويرتدي ثوبا فقيرا ويمضي باحثا عن الحقيقة التي لا تتغير ، وخلال ست سنوات من التنسك الشديد والصرامة الهائلة مع النفس ـ بحيث أشرف علي الهلاك من شدة الهزال ـ أدرك بوذا أن هذا الطريق لن يؤدي به إلي شئ ، وفى النهار الذي سبق الإستنارة تقول الأسطورة أنه سمع مطربة تغني " الوتر المرخي لا يصدر لحنا والوتر كثير الشد ينقطع ولا يصدر لحنا " فعرف أنها رسالة له هو ، أغتسل فى النهر وقبل طبق أرز بالحليب من يد عذراء وأكل فشعر أنه استرد عافيته . هنا تمرد عليه أتباعه الخمسة الذين كانوا يعتبرونه مرشدهم الروحي وتركوه ومضوا . إختار شجرة ضخمة ( شجرة التين المقدسة ) وجلس تحتها وهو يُلزم نفسه بألا يقوم من تحتها أبدا إلا مستنيرا أو يموت .

الاثنين، 18 يناير 2010

بوذية زن وسوء الفهم العربي

من سوء الفهم التاريخي عند العرب نظرتهم إلي البوذية علي أنها ديانة ، وبالتالي يذهب وعيهم ـ أو لا وعيهم ـ إلي إسقاط الخرافات الإبراهيمية كلها أو ما يوازيها علي الطريقة الشرقية الراقية في سبرها لأعماق النفس البشرية ،إذا طهرنا البوذية من خرافة السمسارا ( تعاقب الولادات ) وما يترتب عليها كمبدأ الكارما ( المبدأ الأخلاقي الذي يحدد مدي معاناة شخص أو سعادته فى حياته بناء علي أعماله فى حياته السابقة ) فإن البوذية تصير طريقة راقية وفعالة للتوازن السيكولوجى بين الفرد والعالم . بوذا نفسه حينما سأله أحد تلاميذه حول ما بعد الموت وهل الألهة موجودة أم لا ، ضرب له مثالا بشخص قد أصيب بسهم وعندما أتي الطبيب لمعالجته و قبل أن ينزع السهم قال المصاب له لا تنزع السهم قبل أن أعرف من الذي أصابني ؟ هل هو من طبقة الرهبان أم من المحاربين أم من عامة الشعب ، وأين كان يقف حينما أصابني ولماذا ؟ وما طبيعة السهم والمادة التي صُنع منها .... وهكذا راح يمطره بأسئلة إن كان لها إجابات فهو بالتأكيد لن يظل علي قيد الحياة حتي يسمعها ولن تفيده فى إيقاف معاناته ، فالأجدر بالإنسان نزع سهم المعاناة أي تحقيق النرفانا، الإستنارة ( التوازن النفسي مع العالم ) وهذه النظرة هي التي قبلها الغرب للبوذية خاصة المهايانا ( العجلة الكبري ) أو بوذية زن تحديدا التي يهتم بها الغرب الآن إهتماما عظيما بفضل جهود ريتشارد ويلهلم وكارل غوستاف يونغ الذان عرفا العالم علي تراث التاوية الصيني ـ وهو أحد روافد زن ـ ثم جهود د . ت سوذكي الذي كان يعد أكبر مرجع لزن فى القرن العشرين وقد نشر بالتعاون مع المحلل الفرويدي إريك فروم ( بوذية زن والتحليل النفسي ) ، وأيضا ألان واطس بكتابيه " العلاج النفسي بين الشرق والغرب " و " طريق زن " ومن يطلع علي هذه المؤلفات يتأكد أن هذا التراث خالي تماما من خرافاتنا الإبراهيمية ، ليس هذا فقط بل إنهم ينظرون لكل إنسان فرد علي أنه صاحب تجربة متفردة وخاصة ولن يستطيع أحد أبدا أن يتبع طريق غيره فهذا لن يفيد في شئ بل يعمل علي مزيد من التيه عن الدرب الخاص لكل ذات ، حتي بوذا نفسه لن يفيد الزني في شئ فمعلمي زن يقولون مثلا : " إذا ذكرت البوذا إغسل فمك " و " إذا صادفت البوذا إقتل البوذا " ومعني هذا أنه لا أقوال ولا تعاليم ولا أحد سيفيدك في تجربتك الخاصة غير تأملاتك الخاصة فى سبر ذاتك والسيطرة عليها ومن ثم التحرر عن طريق قطع أي علائق تشد النفس إليها