الحقائق الأربع النبيلة
1 ـ حقيقة المعاناة ( دوكها )
لا تعني هذه الحقيقة أن الحياة ألم ومعاناة فى التفاصيل اليومية فقط ، لا فهذا فهم سطحي ، وإنما تتضمن الألم الناتج عن النزوع الإنساني العميق نحو الجوهرية والكمال وإفتقاد ذلك بسبب الصيرورة الدائمة ونسبية الأشياء وعدم ديمومتها
فحتي لو كان الإنسان سعيدا بالمعني المتعارف عليه لهذه الكلمة فهو أيضا فى الـ ( دوكها ) لأن سعادته هذه مشروطة بمسبباتها وبزوال هذه المسببات أو تغيرها ، والكائن نفسه خاضعا للـ ( دوكها ) فهو عبارة عن علاقة وتفاعل بين مجموعات مادية ووظائف حيوية منتجة بناء علي ظروف محددة ، فالوعي نفسه غير مستقل عن تشكيلات المادة والظروف التي أنتجته . " كل ما هو غير دائم دوكها " .
2 ـ حقيقة أصل المعاناة
السبب وراء أن هناك معاناة أو أصل ظهور ( دوكها ) هو الرغبة الشديدة والنهم المشبوب وراء لذائذ الحواس والتعلق والإرتباط برغبات أخري ومتع غير حسية تجدد نفسها علي الدوام مثل الثروة والقوة والشهرة ، بل والأفكار والمعتقدات والأراء ، وإرواء هذا العطش الدائم هو عملية مستحيلة لأن الرغبات تتجدد مشتعلة أكثر وتطلب المزيد وكما قال بوذا " إن العالم يعاني من الكبت والحرمان وتنتابه رغبة شرهة لأنه عبد للعطش " وأيضا فى هذه الحقيقة يتضمن مبدأ ميتافيزيقي شهير عند البوذيين وهو السمسارا ( تعاقب الولادات ) فالعطش الدائم أو الفعل الإرادي يجدد الرغبة فى الوجود فيتم ميلاد جديد بحسب مبدأ الكارما ( المبدأ الذي يحدد القدر الشخصي من سعادة أو معاناة فى هذه الحياة بناء علي الأفعال فى الحياة السابقة ) غير أنني سـأهمل النظر في هذه النقطة بالتحديد لأنها هي الخرافة الوحيدة فى البوذية وحيث أنني لا أنظر إليها إلا كطريقة للعلاج النفسي فلست معنيا بالتدقيق فى الأبعاد الميتافيزيقية للطريقة
3 ـ حقيقة توقف المعاناة ( النرفانا )
الحقيقة الثالثة هي أنه يمكن إيقاف المعاناة والتحرر منها ، عن طريق التخلص من جذر ( دوكها ) وهو العطش وهذه الحالة تعرف بالنيرفانا وهي كلمة سنسيكريتية تعني إنطفاء والإنطفاء هنا ليس للحياة كما قد يظن بعض نقاد البوذية الذين يرون فى ذلك عدمية ، وإنما الإنطفاء لفهم ضيق ووهمي للذات بإعتبارها "أنا " تتمحور حول شعلة من الرغبات المتقدة والتي شبهها بوذا بضوء شمعة فى عدم وجود هواء يبدو ثابتا مثل وهم ثبات الأنا عندنا جميعا ولكنها تتغذي بإستمرار علي الشحم ، كذلك الانا تتغذي بإستمرار علي تدفق الأفكار المتعلقة بالرغبات ولن يتم هذا الإنطفاء إلا بوقف سيل التدفق المستمر للجشع والبغض والرغبة فى القوة والإنغماس في الشهوات الحسية . ولكن السؤال حول "طبيعة " النرفانا سؤال شائك ولا يمكن إجابته بسبب قصور اللغة التي لا تستطيع الخوض بمناطق ليست لها رصيد من الخبرة فى وعي الشعوب التي أنتجت هذه اللغة ، لكنها بشكل عام تشير إلي حالة : " استئصال العطش " وحالة " غير المركب " و " غير المشروط " و " غياب الرغبة " يعرف د. ت سوذكي الإستنارة بقوله : " أن تشعر أنك فوق الأرض ببضعة سنتيمترات "
4 ـ حقيقة الطريق إلي توقف المعاناة
وتعرف هذه الحقيقة بالطريق الوسط ذي الشعاب الثماني ، لأنه وسط مابين البحث عن السعادة بطريق الإفراط بالشهوات كما يفعل أغلب الناس وما بين البحث عنها عن طريق إماتة الشهوات بالتنسك والصرامة الشديدة والقسوة مع النفس وإيلامها. بوذا نفسه جرب هذين الطريقين وعرف عدم جدواهما وإكتشف بنفسه الطريق الوسط الذي يقود إلي النرفانا ، وهو ذو ثماني شُعاب :
1 ـ الرؤية الصحيحة
2 ـ الفكر الصحيح
3 ـ الكلام الصحيح
4 ـ العمل الصحيح
5 ـ وسائل الحياة الصحيحة
6 ـ المجهود الصحيح
7 ـ الانتباه الصحيح
8 ـ التركيز الصحيح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق