دائرة الين واليانج
ذكرت من قبل أن الثقافة الصينية لم تأخذ فكرة الإله المشخص مأحذ الجد ، وإنما كانت تؤمن بنوع لاشخصي من الألوهة أي قانون سار علي الكون بأكمله ومندمج معه فعندما سُئل تشوانغ تسو ـ وهو المعلم الثاني الكبير بعد لاوتسوـ عن مكان التاو قال هو فى كل مكان وحينما طُلب منه تمثيله قال " انه هنا فى هذا النمل ، فى الأدغال فى الآجر والقرميد ... وفى الروث أيضا " ( ترجمة هادي العلوي ) ببساطة الكون يقوم بتنظيم نفسه ذاتيا . وترمز الطاوية إلي ذلك المبدأ السابق علي الوجود بدائرة فارغة فلاوتسو يقول " الطاو فارغ ولا ينضبه النضج " ( ترجمة فراس السواح ، أو التاو اناء فارغ يُستعمل دون أن يُملأ ـ ترجمة هادي العلوي ) وإلي المبدأ الفاعل فى الوجود بدائرة الين واليانج ، وهما مبدأي الوجود يمثلان علي التوالي السالب والموجب ، العدم والوجود ، المؤنث والمذكر ، وهي تشرح بجلاء وعمق كيف تعمل الأقطاب المتعارضة معا فهي ظاهريا تناقض بعض بوجود الخط الفاصل بين الأبيض والأسود وهي فى العمق تكمل بعض ولا وجود لأحدهما دون الأخر بالدائرة نفسها أي الكل الذي يحتويهما معا وبالإختلاف نفسه فبدون الأسود لن نعرف الأبيض نقيضه ، فالنقيض يعرف بنقيضه ويمنحه الوجود ، وأيضا الشمول فكل مبدأ هو فى ذاته يشمل الآخر النقيض ويحتوي عليه وذلك بالنقطة البيضاء داخل الدائرة السوداء والنقطة السوداء داخل الدائرة البيضاء ، وأيضا يشيران معا إلي التحول فكل منهما يتحول إلي الآخر حينما يبلغ أقصي غايته . كل شئ فى الكون يحتوي علي مزيج من هذين المبدأين لكن بنسب متفاوتة وحينما تغلب نسبة الأخري تتضح الملامح ويتم التصنيف ، فمثلا الأنوثة والذكورة ( الين واليانج ) موجودان بنسب متفاوتة داخل كل كائن حي وحينما تزيد نسبة أحدهما علي الآخر يصبح الكائن خاضعا لهذا المبدأ وإن بقي المبدأ الآخر منطويا بداخله بشكل مضمر وخافت . الدائرة نفسها من الخارج تمثل الأبدية فالثقافة الصينية ، وربما الشرق الأقصي كله ، لا يؤمن بالبداية الخطية التي تؤدي إلي نهاية ( الخلق والقيامة ) مثلما هو الحال عندنا فى الأديان الإبراهيمية الساذجة ، وإنما هو دوران وعود أبدي ومثلما تعبر الباجفادجيتا " كل ماهو موجود لايمكن أن يكون غير موجود " فقط هي دائرة التحولات ، رقصة دائمة للطاقة وتبادل أدوار أبدي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق