الطاوية تنكر وجود خالق
ليس فقط أن الطاوية لم تأخذ فكرة الإله المشخص مأخذ الجد وإنما أنكرت وجود خالق صراحة ، فلا يوجد مبدأ أو شئ أو كيان منفصل عن هذا الكون وصيرورة التغيرات لاوتسو أكد علي ذلك ولكن بالسلب " اللااسم هو بداية السماء والأرض " و " اللااسم " هذا هو تعبير من لاوتسو عن ما سيقوله شيانغ فو بشكل أكثر وضوحا : اللاشيء .
نقرأ لـ شيانغ فو من القرن الثالث الميلادي : " أريد أن أسأل ما إذا كان الخالق أم لم يكن ؟ إذا لم يكن فكيف خلق الأشياء ؟ وإذا كان فمعني ذلك أنه واحد من هذه الأشياء ، وكيف يستطيع شئ أن ينتج شيئا أخر ؟ " ثم يتوصل شيانغ إلي النتيجة التالية : " ومن هنا ليس من خالق . ولا شيئ يُنتج شيئا ، كل شيئ يُنتج نفسه ولا شيئ يَنتج من الغير . هذا هو النهج السوي للكون " (1) فكيف يتم توفيق هذا الإنكار الصريح لوجود خالق مع فكرة المعلم لاوتسو حول أن الطاو هو " أصل " الموجودات ؟ شيانغ فو يحل هذا الإشكال عن طريق تأويل " الطاو " إلي اللاشيئ فكل الموجودات تنبثق من نفسها : " إن قول التاويين الأوائل بأن الأشياء تنشأ من التاو يعني ببساطة أن كل الأشياء تنشأ من أنفسها . ومن ثم قالوا بأن التاو قادر علي اللاشيء " ويؤكد بشكل صريح لا لبس فيه : " إن القول بأن أي شيء منبثق من التاو يعني انه منبثق من نفسه " وحينما يزول أي مبدأ متعال عن وجود الأشياء أو جوهر سابق علي التجربة أو أصل ،حتي ولو كان تجريد ذهني ، فإننا هنا نكون فى ساحة المادية الصرفة وعدم الإيمان بأي ميتافيزيقيات ، أي الإلحاد الصريح . والبديل للإله عند الطاوية ليس عشوائية الصدفة وإنما الترابط بين كل أجزاء الكون فى نسيج عضوي واحد . نقرأ لـ تشوانغ تسو " فى السماء حركة دائبة وفى الأرض ثبات . هل يتنازع القمر والشمس مجرييهما ؟ من يحكم فوق هذه الأمور ويعمل علي اتساقها وتناغمها ؟ من بدون جهد يحفظها ؟ " (2) وطبعا تساؤل تشوانغ تسو ينطوي علي إجابة ضمنية فلا يوجد مبدأ أول ولا علة ولا محرك للأشياء من الخارج فالعلة والمعلول مندمجان فى الطاو ، والطبيعة لا تتحرك وفق خطة مسبقة وإنما وفق تلقائية شمولية نتيجة التأثير والتأثر بين كل أجزاء الكون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش :1ـ الترجمة لهادي العلوي ، التاو ، المدي 1995
2ـ الترجمة لفراس السواح التاو ، دار علاء الدين 1998