Bookmark and Share

الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

إشتباك العقائدى مع التاريخى




لا شك أن رؤية الإنسان للعالم وتكون وعيه بكل ما يزخر به من إجابات أو محاولات إجابات عن الأسئلة الكبرى من نحن ؟ من أين أتينا ؟ إلى أين نحن ذاهبون ؟ بالضرورة متشابك مع صراع الإنسان مع الطبيعة ومع سيرورة التحول الإجتماعى
لذلك لن يستقيم الكلام عن الإلحاد كموقف فكرى بحت بمعزل عن السياق التاريخى الذى أنتجه .ورغم أننا لا نجد كثافة عددية وظهورا قويا للإلحاد فى العالم بشكل عام قبل عصر التنوير إلا أن هذا لا يعنى أن نقصر وجود الإلحاد بالعصور الحديثة ، فثمة سطوعات فردية كانت تشرق وسط الأغلبية السائدة الحاملة للوعى التقليدى الذى فى الأغلب يكون إنعكاسا لإحتياجات الإنسان سيكولوجيا وسوسيولوجيا وكوزمولوجيا
التاريخ يخبرنا أن الإلحاد مرتبط بالمدنية ، حيث أنها الشوط الأخير من مراحل الحضارة ، وحيث أننا أبناء منطقة الحضارات القديمة ( السومرية والفرعونية والفينقية ) فثمة يقين غير مدعوم لدى بأننا قد عرفنا الإلحاد مبكر جدا ولكن للأسف فإن التاريخ لم يحفظ لنا ما يثبت ذلك ، ربما لأن التاريخ دائما تكتبه السلطة ومثقفوها الذين هم فى الأغلب يكونون ترجمة حية للوعى العام السائد ذلك الوعى الذى كان دائما لا يكتفى بحصار المخالف وتهميشه وإنما محوه كلية من الوجود
على الرغم من ذلك فإن التاريخ يقول لنا أن المساحة التى كانت متاحة لقبول الآخر فى منطقة حضارات الشرق الأدنى كانت قديما أكبر بكثير من الهامش الضيق الموجود الآن ، ويعود الفضل فى ذلك إلى أن البشرية فى تلك المرحلة التاريخية كانت تؤمن بتعدد الألهة ( الوثنية ) وكانت الشعوب على درجة عالية من النضج الإجتماعى الذى يجعلها تحرص على تنمية مواردها عبر التجارة وتبادل الخبرات المعرفية مع الشعوب الأجنبية بآلهتها المختلفة الأمر الذى جعل مسألة وجود المخالف فى الإعتقاد الدينى أمرا عاديا جدا
ويشهد التاريخ بعدم وجود إضطرابات عامة ذات طابع دينى أو اضطهادات جماعيةعلى إساس التمييز الدينى فى فترة الإيمان بالتعدد
على العكس تماما بعد ظهور الإله الواحد على مسرح التاريخ وفى أول إصدار له بتوقيع الفرعون المصرى أمنحوتب الرابع الذى تلقب بإخناتون ودعا إلى إله واحد عالمى أسماه آتون فرض عبادته بالقوة وأغلق معابد الإله آمون وأجبر الكهنة على تقديس وعبادة آتون
ويسير على نهجه بقية الموحدين من منشئ الأديان ـ سواء كانوا شخصيات أسطورية أو شخصيات تاريخية ـ موسى ويسوع ومحمد ورغم أن البعض قد يرفض نسب الإجبار أو الإكراه إلى موسى وعيسى ( بإعتبار أن الأول وجه رسالته إلى شعب واحد ، والثانى يدعو إلى التسامح حتى مع الأعداء ) إلا أن رفض الأخر غير المنتمى إلى الدين حاد وقاطع .
والأسوأ أن يرتبط الإله بالقومية فيصبح الرفض موجه للعرقيات الأخرى فتنقلب غاية الدين ـ المفترضة ـ من دعوة لتسامح الإنسان مع أخيه الإنسان إلى قنبلة كره تشع فى كافة الإتجاهات وللأسف تساقط ضحايا كثيرين شرقا وغربا ، فكما أن قيام الكنيسة الكاثوليكية بحرق فيلسوف وحدة الوجود جوردانو برونو وأخرون سيظل وصمة عار أبدية فى تاريخها كذلك عندنا فإن دماء الحلاج وابن المقفع والسهروردى وصالح بن عبدالقدوس وغيرهم ستظل عارا أبديا على الإسلام ، ورغم هذا الإرهاب العنيف إلا أن المفكرين الأحرار لم ينعدموا من تاريخنا ، بل ظهر من يهاجم الفكر الدينى فى عقر داره ، بغداد، حاضرة الخلافة العباسية من أمثال ابن الراوندى وابن زكريا الرازى وابن المقفع ، صحيح أن هؤلاء لم ينكروا وجود الله صراحة ، ولكن مع ذلك يمكن عدهم ملحدين بالمعنى الحرفى للكلمة فى العربية حيث أنهم رفضوا النبوة صراحة التى هى الوسيط بين الله والإنسان وطالما انتفى هذا الوسيط فلا سبيل للوصول إلى الله ،أى أن وجوده يساوى عدم وجوده وهذا هو البعد الكامن فى دعوى ابن الراوندى والرازى للإكتفاء بالعقل فإذا كانت رسالة الله المزعومة تتعارض مع العقل الإنسانى ومعطاياته فهى شاذة وبالتالى باطلة ، وإذا كانت تتوافق مع العقل فهى نافلة أى لا لزوم لها
ولكن للأسف فإن هذا التراث العظيم تمت عملية مطاردته ونفيه عبر عملية حرق الكتب تلك العادةالتى يمارسها كل الطغاة المتزمتين ، ولكن رغم ذلك فإن تلك الإشراقات تظل ساطعة طوال التاريخ وتصلنا حتى عبر كتب الخصوم أعداء القيم الإنسانية الحقة :الحرية والعقلانية



هناك تعليق واحد: