Bookmark and Share

الثلاثاء، 23 مارس 2010

الطاوية تنكر وجود خالق

الطاوية تنكر وجود خالق

ليس فقط أن الطاوية لم تأخذ فكرة الإله المشخص مأخذ الجد وإنما أنكرت وجود خالق صراحة ، فلا يوجد مبدأ أو شئ أو كيان منفصل عن هذا الكون وصيرورة التغيرات لاوتسو أكد علي ذلك ولكن بالسلب " اللااسم هو بداية السماء والأرض " و " اللااسم " هذا هو تعبير من لاوتسو عن ما سيقوله شيانغ فو بشكل أكثر وضوحا : اللاشيء .

نقرأ لـ شيانغ فو من القرن الثالث الميلادي : " أريد أن أسأل ما إذا كان الخالق أم لم يكن ؟ إذا لم يكن فكيف خلق الأشياء ؟ وإذا كان فمعني ذلك أنه واحد من هذه الأشياء ، وكيف يستطيع شئ أن ينتج شيئا أخر ؟ " ثم يتوصل شيانغ إلي النتيجة التالية : " ومن هنا ليس من خالق . ولا شيئ يُنتج شيئا ، كل شيئ يُنتج نفسه ولا شيئ يَنتج من الغير . هذا هو النهج السوي للكون " (1) فكيف يتم توفيق هذا الإنكار الصريح لوجود خالق مع فكرة المعلم لاوتسو حول أن الطاو هو " أصل " الموجودات ؟ شيانغ فو يحل هذا الإشكال عن طريق تأويل " الطاو " إلي اللاشيئ فكل الموجودات تنبثق من نفسها : " إن قول التاويين الأوائل بأن الأشياء تنشأ من التاو يعني ببساطة أن كل الأشياء تنشأ من أنفسها . ومن ثم قالوا بأن التاو قادر علي اللاشيء " ويؤكد بشكل صريح لا لبس فيه : " إن القول بأن أي شيء منبثق من التاو يعني انه منبثق من نفسه " وحينما يزول أي مبدأ متعال عن وجود الأشياء أو جوهر سابق علي التجربة أو أصل ،حتي ولو كان تجريد ذهني ، فإننا هنا نكون فى ساحة المادية الصرفة وعدم الإيمان بأي ميتافيزيقيات ، أي الإلحاد الصريح . والبديل للإله عند الطاوية ليس عشوائية الصدفة وإنما الترابط بين كل أجزاء الكون فى نسيج عضوي واحد . نقرأ لـ تشوانغ تسو " فى السماء حركة دائبة وفى الأرض ثبات . هل يتنازع القمر والشمس مجرييهما ؟ من يحكم فوق هذه الأمور ويعمل علي اتساقها وتناغمها ؟ من بدون جهد يحفظها ؟ " (2) وطبعا تساؤل تشوانغ تسو ينطوي علي إجابة ضمنية فلا يوجد مبدأ أول ولا علة ولا محرك للأشياء من الخارج فالعلة والمعلول مندمجان فى الطاو ، والطبيعة لا تتحرك وفق خطة مسبقة وإنما وفق تلقائية شمولية نتيجة التأثير والتأثر بين كل أجزاء الكون .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش :1ـ الترجمة لهادي العلوي ، التاو ، المدي 1995

2ـ الترجمة لفراس السواح التاو ، دار علاء الدين 1998

الاثنين، 22 مارس 2010

دائرة الين واليانج ( الين واليانغ )



دائرة الين واليانج

ذكرت من قبل أن الثقافة الصينية لم تأخذ فكرة الإله المشخص مأحذ الجد ، وإنما كانت تؤمن بنوع لاشخصي من الألوهة أي قانون سار علي الكون بأكمله ومندمج معه فعندما سُئل تشوانغ تسو ـ وهو المعلم الثاني الكبير بعد لاوتسوـ عن مكان التاو قال هو فى كل مكان وحينما طُلب منه تمثيله قال " انه هنا فى هذا النمل ، فى الأدغال فى الآجر والقرميد ... وفى الروث أيضا " ( ترجمة هادي العلوي ) ببساطة الكون يقوم بتنظيم نفسه ذاتيا . وترمز الطاوية إلي ذلك المبدأ السابق علي الوجود بدائرة فارغة فلاوتسو يقول " الطاو فارغ ولا ينضبه النضج " ( ترجمة فراس السواح ، أو التاو اناء فارغ يُستعمل دون أن يُملأ ـ ترجمة هادي العلوي ) وإلي المبدأ الفاعل فى الوجود بدائرة الين واليانج ، وهما مبدأي الوجود يمثلان علي التوالي السالب والموجب ، العدم والوجود ، المؤنث والمذكر ، وهي تشرح بجلاء وعمق كيف تعمل الأقطاب المتعارضة معا فهي ظاهريا تناقض بعض بوجود الخط الفاصل بين الأبيض والأسود وهي فى العمق تكمل بعض ولا وجود لأحدهما دون الأخر بالدائرة نفسها أي الكل الذي يحتويهما معا وبالإختلاف نفسه فبدون الأسود لن نعرف الأبيض نقيضه ، فالنقيض يعرف بنقيضه ويمنحه الوجود ، وأيضا الشمول فكل مبدأ هو فى ذاته يشمل الآخر النقيض ويحتوي عليه وذلك بالنقطة البيضاء داخل الدائرة السوداء والنقطة السوداء داخل الدائرة البيضاء ، وأيضا يشيران معا إلي التحول فكل منهما يتحول إلي الآخر حينما يبلغ أقصي غايته . كل شئ فى الكون يحتوي علي مزيج من هذين المبدأين لكن بنسب متفاوتة وحينما تغلب نسبة الأخري تتضح الملامح ويتم التصنيف ، فمثلا الأنوثة والذكورة ( الين واليانج ) موجودان بنسب متفاوتة داخل كل كائن حي وحينما تزيد نسبة أحدهما علي الآخر يصبح الكائن خاضعا لهذا المبدأ وإن بقي المبدأ الآخر منطويا بداخله بشكل مضمر وخافت . الدائرة نفسها من الخارج تمثل الأبدية فالثقافة الصينية ، وربما الشرق الأقصي كله ، لا يؤمن بالبداية الخطية التي تؤدي إلي نهاية ( الخلق والقيامة ) مثلما هو الحال عندنا فى الأديان الإبراهيمية الساذجة ، وإنما هو دوران وعود أبدي ومثلما تعبر الباجفادجيتا " كل ماهو موجود لايمكن أن يكون غير موجود " فقط هي دائرة التحولات ، رقصة دائمة للطاقة وتبادل أدوار أبدي .

الخميس، 18 مارس 2010

الطاوية

لم تعرف الثقافة الصينية فى العمق الإله المشخص المفارق للعالم كما الحال عندنا فى الشرق الأوسط ، بالتأكيد كانت هناك ألهة عديدة قديما ولكنهم كانوا كأغلب الثقافات نوع متأخر من عبادة الأسلاف ويبقي التأثير القوي فى التأملات الميتافيزيقة لنوع من وحدة وجود شاملة خلف مبدأ كلي وواحد يتخلل كل شئ ، أما فكرة الإله المفارق الذي يدير العالم من عل كرئيس دولة بائس فلم تأخذها الثقافة الصينية مأخذ الجد . تري الطاوية هذا المبدأ فى الوجود بأكمله وهو أصل كل شئ وسابق لكل شئ بل وأصل الوجود والعدم وهو خارج المسميات ، ولكن الملعم لاوتسو يدعوه بإسم " الطاو " أي الطريق نقرأ من ترجمة محسن فرجاني : " الوجود والعدم كلاهما ينبوع عين واحدة. تشعٌبا منها اسمين مختلفين، لكن المغزي فيهما عميق الغور، عصي الفهم" أو من ترجمة فراس السواح : "ا للامسمى هو السابق على السماء والأرض
المسمى هو أم الآلاف المؤلفة
جرد نفسك من رغائبها تعاين أسراره
إلزم نفسك رغائبها تعاين تجليانه
الأسرار والتجليات أمران سيان في المنشأ
ولكنهما لا يستويان بالاسم عند صدورهم " أو من ترجمة هادي العلوي : " غير المسمي هو منشأ السماء والأرض ، المسمي هو أم العشرة ألاف شئ ، دائم اللارغبة يري المحجوب ، دائم الرغبة يري المشهود ، هذان الأثنان ينبتثقان من أصل واحد "
يتبع ...